الأربعاء، 5 يناير 2011

لقاء مع اديب قعوار في بيروت

أديب قعوار من الرعيل الأول لحركة القوميين العرب “ : فلسطين لن تُحرَّر إلا بالمقاومة

بيروت - سلوى التميمي

أربع وأربعون شهادة، تختزل جريمة اغتصاب وطن وتطرح بصدق جارح حقيقة يحاول الكثيرون طمسها أو الهروب منها . أحياناً بجهل، وغالباً بتعمد غير بريء ومشبوه .

مهاجرون . . نازحون أم مقتلعون؟ هذا السؤال العادي والبسيط قد لا يستوقفنا وقد لا نطرحه على أنفسنا باعتبار أن النتيجة واحدة: وطن محتل وشعب مشرد . لكن ثمة فرق شاسع ما بين الاقتلاع والهجرة، وثمة هدف أو أهداف لتكريس هذا المفهوم وزرعه في الأذهان .

من هنا ربما تأتي أهمية هذا الكتاب الذي لا يضيء فقط على الذاكرة الفلسطينية بقدر ما يفتح ملف النكبة، تفاصيل وأحداثاً موثقة ويعيد طرح السؤال من جديد: من المسؤول عن ضياع فلسطين؟ الانتداب البريطاني ووعد بلفور أم العصابات الصهيونية وإرهابها الوحشي ومجازرها أم هو واقع الأنظمة العربية المفكك والهزيل أم هو كل هذا معاً؟

أسئلة تعيد خلط الأوراق والوقائع والأحداث وتضعنا في مواجهة عارية ومكشوفة مع مخزون ذاكرتنا ووجداننا وثقافتنا حول فلسطين قضية وشعباً يطرحها كتاب شهادات لمقتلعين فلسطينيين” الصادر عن باحث للدراسات والذي تعمّد معدّه المناضل السياسي والكاتب د . أديب قعوار أن يسلّط الضوء على وجوه متعددة وشخصيات متباينة تغطي مساحة فلسطين المحتلة مدناً وقرى . وتتحدث بحميمية وصدق عن جذورها الضاربة في عمق تراب الوطن والتي لم تُستأصل باستئصالها منه . فبقي الدم في عروقها فلسطينياً حتى النخاع وبقيت الصورة في ذاكرتها حيّة حتى اللهفة . فجاءت الحقائق كأنها وليدة اللحظة موثقة ونابضة بالتفاصيل والوقائع والشهود لتكشف عن زيف ادعاءات العدو وتنسفها من جذورها . ولعلّ حرب الابادة التي انتهجها منذ ما قبل النكبة ولا يزال هي من السمات والشواهد التي يؤشر إليها الكتاب حيث يورد الكثير من النماذج التي تفضح عنصرية العدو وعلى لسان عدد من الباحثين الصهاينة من أمثال المؤرخ بني موريس الأستاذ في جامعة “بئر السبع” المعروفة بجامعة بن غوريون، والذي كشف في مقابلة معه له  مع جريدة “هآرتس” معنونة "البقاء للأفضل" المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين من أجل استئصال من أسماهم البرابرة، مفصحاً عن ان لا مشكلة اخلاقية في ذبح الفلسطينيين وبالتالي فهو يعتب على بن غوريون لأنه لم يكمآنذاك عملية الاستئصال هذه ويأمل ان تحين الفرصة للصهاينة ليتسلموا المهمة يوماً!


ويتطرق قعوار في كتابه الى دور الاعلام الأمريكي المتصهين في تبني وتكريس الادعاءات الصهيونية مشيراً الى رواية “الينبوع” للكاتب الأمريكي جيمس ميشيز التي تربط هجرة الفلسطينيين بأوامر سرية الى ضباط الميدان العربي تقضي بإجلاء جميع المدنيين كما تأمرهم بخلق أقصى حدّ من التشويش والارباك والاخلال بالخدمات العامة كما جاء في صفحة 961 من الرواية “أكدوا لهم أن الجيوش العربية ستستولي على كل فلسطين وسيكون بإمكانهم العودة اليهاوحتى الاستيلاء على أملاك اليهود ” . كذلك يتطرق قعوار الى عمليات التهويد وبناء المستوطنات التي كانت ولا تزال تنشط في تغيير معالم الوطن تحقيقاً للكذبة الكبيرة بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض أو إثباتاً لأسطورة الحق التاريخي والوعد الإلهي .

أربع وأربعون شهادة لمقتلعين من مختلف أرجاء فلسطين حملت دلالات ومعطيات ووقائع كشفت الكثير من الأسرار والحقائق التي غابت أو غُيّبت ولم تعد تتصدر المشهد السياسي اليوم . قواسم مشتركة لمناضلين ومفكرين ومواطنين عاديين جمعتهم قضية واحدة وهمّ واحد، وربما هو حلم واحد العودة الى أرض الوطن حيث المنبت والجذور والهوية . جورج حبش، شفيق الحوت، أحمد اليماني “أبو ماهر”، صلاح صلاح، عبد اللطيف كنفاني، ابراهيم قمبرجي، خليل الوزير “أبو جهادوغيرهم أضاؤوا على ذاكرة لم تتعب من احتضانها للوطن والترحال به ومعه عبر البيت والمدرسة وأصدقاء الطفولة ومرتع الصبا والشباب . بعضهم رحل تاركاً شهادته موثقة في أكثر من مطبوعة . والبعض لا يزال يتنفس الوطن حلماً لا بد أن يصبح حقيقة . وآخرون أتعبتهم المنافي ولم يتعبهم انتظارهم الطويل للعودة الى الوطن .

كتاب موثّق في أكثر من أربعمائة صفحة قدم له المفكر والمناضل د . أنيس صايغ في شهادة موقّعة بنبض العاشق لفلسطين وبصدق الباحث وعمق تجربته . ولعل أبرز ما تطرقت اليه مقدمته مفهوم “الخروج” التوراتي والذي شاع على امتداد أكثر من ثلاثين قرناً وتوأمة هذا التعبير للتاريخ اليهودي من جهة ولأساطير التوراة من جهة أخرى، معتبراً ان هذا الخروج الوهمي في أساساته وأصوله ومدلولاته ومزاعمه يقف ذليلاً أمام خروج آخر حقيقي وواقعي وملموس في ملايين الأدلة والتجسيدات وهو خروج ثلاثة أرباع المليون فلسطيني من ديارهم خروجاً قسرياً ووحشياً وارهابياً . ويعكس د . صايغ معاناة هذا الشعب في ابداعات كتّابه وفنانيه وأدبائه وما سمي آنذاك أدب الاقتلاع . ولا ينسى وهو يضيء على أهمية هذه الشهادات ان تكون له شهادته الخاصة والمتميزة والتي استحضر من خلالها اسرته في طبريا والكثير من ملامح الحياة في مدينته الحبيبة ومسقط رأسه طبريا ليضيء قلمه ويتوهج حنيناً لطفولة تضج عروقها بعشق فلسطين .

في حركة القوميين العرب

ومن المقدمة الى الشهادات الى مجموعة من الوثائق التي تؤرخ لأبرز أصوات تلك المرحلة ومعطياتها . . ماذا أراد أديب قعوار أن يقول في هذا الكتاب ولماذا اليوم وبعد ستين سنة على الاقتلاع؟

يقول الكاتب والناقد والمناضل أديب قعوار “لا بدّ للفلسطيني أن تبقى ذاكرته حيّة حاضرة ومتقدة وأن تعيش وتترسخ في ذاكرة أبنائه وأحفاده وألا يتعب من استحضار الوطن” .

ولكن من هو أديب قعوار؟ أيضاً يجيب وباختصار أنه فلسطيني من الناصرة لكنه عاش منذ سنة 1938 في لبنان حيث درس العلوم السياسية والادارة العامة في الجامعة الأمريكية سنة 1954 ويذكر من زملاء الدراسة د . فوزي صلوخ والسفير خليل مكاوي . وقعوار كما يقول من مؤسسي أو من الرعيل الأول لحركة القوميين العرب ومنذ أوائل الخمسينات .

كيف كانت بدايته مع النضال؟ يقول: الانطلاقة كانت من الجامعة الأمريكية في بيروت حيث كانت آنذاك تشكل مركزاً قومياً سياسياً ومنها انطلقت حركة القوميين العرب مع د . جورج حبش ووديع حداد ود . أحمد الخطيب الذي أصبح رئيس كتلة نيابية في مجلس النواب الكويتي وأيضاً صالح شبل وجميعهم من طلبة الجامعة وقد شكلوا بداية “منظمة العروبة” والتي اصبحت لاحقاً حركة القوميين العرب وقد انتشرت في العالم العربي من المحيط الى الخليج . ويضيء قعوار على بعض أنشطة الحركة في 1954 حيث حرّكت الشارع العربي وشاركت في أضخم التظاهرات ضد حلف بغداد . وقد تعرضت تظاهرة الطلبة في لبنان إلى القمع وإطلاق النار فسقط فيها شهيد كما تمّ اعتقاله وسجنه لليلة واحدة الى جانب اعتقال وسجن العديدين وطرد بعضهم خارج لبنان


 . مؤلفات الكاتب: شكل الدولة العربية لعتيدة – 1955 / المرأة اليهودية في فلسطين المحتلة 1968 /
الدععاية الصهيونية في الرواية الأمريكية (عربي وانجليزي) طبعتين 2004 و 2005 /







شهادات لمقتلعين فلسطينيين 2007 / التعليم الفلسطيني تحت الاحتلالين 2007
التعليم الفلسطيني تحت الاحتلالين (جاهز للطبع(










وفي الجامعة الأمريكية في بيروت أيضاً تأسست “جمعية العروة الوثقى” باعتبارها جمعية ثقافية لتتطور لاحقاً الى مركز نشاط قومي عربي كانت الحركة تدير من خلالها أنشطتها كالانتخابات النقابية والطلابية وتحريك الشارع وكانت تضم أبرز الأحزاب آنذاك كالشيوعيين والحزب القومي السوري لكن حركة القوميين العرب كانت تشكل مركز الثقل فيها . وبعد تظاهرة سنة 1954 تم طرد عدد من الطلبة ولأنه كان في سنة التخرج فقد اكتفي بتوجيه انذار له .

يقول قعوار “انتميت الى النادي الثقافي العربي والذي انبثق من جمعية العروة الوثقى باعتبارها جمعية ثقافية لتتحول لاحقاً الى مركز لنشاط القوميين العرب وبعد توقيفها أخذ مكانها “النادي الثقافي العربي” والذي يستمر نشاطه حتى اليوم وكنت آنذاك رئيس تحرير مجلة النادي واسمها مجلة “الثقافة العربيةوالتي كانت تصدر أعداداً فصلية متخصصة بمواضيع فكرية عربية تتناول في كل عدد منها دولة عربية كفلسطين أو الجزائر وقد أقمنا أول معرض للكتاب العربي أثناء دراستنا الجامعية وفي مركز العروة الوثقى ليتابع النادي الثقافي هذا النشاط لاحقاً ويستمر فيه” .

ويتطرق قعوار الى مرحلة النضال العربي والى ما تعرضت له حركة القوميين العرب من انشقاقات نجم عنها ولادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين . وليتابع نضاله لاحقاً عبر الكتابة والأبحاث وفي مجلات وصحف متعددة كمجلات "الثقافة العربية:، المقاصد"، "الآداب"، "تاريخ العرب والعالم" وغيرها وفي بعض الصحف العربية .
ماذا عن مؤلفاته الأخرى؟ ربما من أهمها وكما يقول كتابه عن المرأة اليهودية في فلسطين المحتلة والذي صدر سنة 1968 . وفي سنة 2004 أعدّ لمركز باحث للدراسات ثلاثة كتب منها الدعاية الصهيونية في الرواية الأمريكية وباللغة الانجليزية الذي ترجمه لاحقاً للعربية كذلك "شهادات لمقتلعين فلسطينيين" وهناك دراسة عن "شكل الدولة العربية العتيدة" أصدره سنة 1955 مؤتمر الخريجين العرب في القدس وهو بصدد الانتهاء من كتاب “التعليم الفلسطيني تحت ألاحتلالي”.


وأخيراً لماذا هذه الشهادات وفي هذا التوقيت بالذات؟ يقول قعوار أنها في الأساس لدحض الفكرة الأساسية التي روجتها الحكومة الصهيونية وحاولت من خلالها إقناع العالم بأن الفلسطينيين تركوا أرضهم اختيارياً أو بأوامر من القيادات العربية .

فالحقيقة إنهم اقتلعوا اقتلاعاً وعبر عمليات تصفية عنصرية ومجازر إرهابية واغتصاب للفتيات وليس أدلّ على هذه الجرائم وعمليات الإبادة من شهادة بني موريس الذي يلوم بن غوريون فيها لأنه لم يكمل عملية تصفية الشعب الفلسطيني . كما إن ثمة شهادات موثقة تؤكد إن الفيلق اليهودي الذي كان ملحقاً بالجيش البريطاني وعدده 62 ألف امرأة ورجل مدربين تدريباً عسكرياً للقتال في فلسطين وليس للمشاركة في الحرب العالمية الثانية وكانت مهمتهم الأساسية جمع اليهود وتدريبهم على القتال حيثما وجدوا وليس القتال ضد الجيش الألماني . وفي المقابل لم يكن عدد عناصر الجيوش العربية وجيش الإنقاذ والمقاومة ليتجاوز 22 ألف نسمة آنذاك إلى جانب أن حكومات مصر والأردن والعراق كانت مرتبطة مع بريطانيا بمعاهدات تخوّلها السيطرة على القرار العربي والعسكري علماً بأن همّ بريطانيا خلال الانتداب كان تطبيق وعد بلفور وتسهيل إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، لهذا كان إصرارها خلال تطبيق معاهدة سايكس بيكو أن تكون فلسطين ضمن حصتها ولهذا كانت تشجع على تسليح وتدريب اليهود في الوقت الذي تحظر على عرب فلسطين حمل السلاح ومن كانت تجد معه “فشكه فارغة” كان يعدم أو يسجن مؤبداً وقد شُنق العشرات في فلسطين، أو سجنوا وعُذّبوا ونفي قادتهم إلى أماكن نائية مثل جزر سيشل في لمحيط الهندي .


أما كيف يرى أديب قعوار تحرير فلسطين بعد ستين عاماً على النكبة؟ فيؤكد أنها اليوم أقرب من الأمس وأن تحريرها لن يكون عبر الجيوش العربية وإنما عبر المقاومة الشعبية ويعطي غزة كمثال إذ خرج منها الصهاينة مندحرين تحت ضربات المقاومة لا طوعا عام 2006ً، كذلك الحزام الحدودي في لبنان وطبعا الاندحار الصهيوني عام  عندما حاول مجدداً ضرب المقاومة في لبنان عام  وفي عملية الرصاص المسكوب عل قطاع غزه2008/2009. ويرى أنها المرة الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية التي نحصد فيها انتصارات .

يبقى أن المناضل أديب قعوار والذي يشغل وقته اليوم بعد تقاعده بالعمل في الأبحاث والتأليف والترجمة والتواصل عبر الانترنت مع مؤيدي القضية الفلسطينية يصر على أن المقاومة ليست إرهابا وأن الدولة الصهيونية هي أكبر إرهاب عرفه التاريخ وأنه سيواصل العمل النضالي وإن كان عبر القلم لكشف الحقيقة وتكريس حق شعب فلسطين في وطنه وأرضه .
دعواتكم .. .. ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق