السبت، 4 ديسمبر 2010

الثوب والعنب

 الثوب والعنب

·        *د. وليم نصار
·        
·        بين ثوب نساء الناصرة وكروم الجليل خيوط من فجر وسحر، ولذلك من المحال أن تجد امرأة كنعانية تنكر العلاقة بين ثدييها المقدسين وعنب الناصرة، كما لا يستطيع اخوتنا التلاحمة (نسبة إلى بيت لحم)، أن ينكروا صلة الرحم بين نبيذ قانا والناصري الجليل.
يا سبحان الخالق.. يا سبحان الجمال..
تبارك الثدي والعنقود..

منذ الجدة الكنعانية الأولى وحتى سيدة الإنتفاضة ..
ومنذ مذابح صبرا وشاتيلا وحتى حزورة السلام..
ومنذ حزورة السلام وحتى مذبحتي قانا وصلب المسيح ثلاثا..

ومنذ قانا وحتى حصار واغتيال غزة "حفاظا على تقدمية القضية الفلسطينية".
ومنذ حصار واغتيال غزة وحتى إعطاء "رئيس رام الله" الضوء الأخضر بتصفية حق العودة ونحن نتصارع مع الآلهة على الثوب والعنب.

نعم.. منذ  الإله الكنعاني الأول ونحن نتصارع مع آلهة الأمم الأخرى على الثوب والعنب..
ومنذ انطلاقة الشرارة الأولى وحتى موتها حسرة من التفاوض والصلح والاعتراف  ونحن نتصارع مع أنفسنا على الثوب والعنب.
يا رب الكون الكنعاني.. متى يدرك "يسارك" أو ما تبقى منه، بأنه رغم تعدد الأثواب فإن الوطن واحد؟
يا من تبقى من سلالة "اليسار" الفلسطيني ..

هل أكون مذنيا إن أعلنت بأنني آخر من تبقى من النسل الكنعاني المبارك؟
وإن أذنبت.. فخير لي أن أكون مذنبا في عيونكم على أن أكون مذنبا في عيني الوطن.. أو في عيني أم العز..!!!
في المنفى أيها الرفاق الأعداء، وحتى لا أموت من القهر أحتفظ  بأشياء من الوطن ورثتها عن ستي لأمي.. أسمع أشياء عن وطن أحببته دون أن أعرفه..

أحتفظ بصورة كبيرة لامرأة عجوز تقيم في مخيم خان يونس للاجئين في غزة وصلتني عبر الأيمايل من ابنها، الذي تآخيت وإياه ..
أخي الذي لم تنجبه أمي، عز الدين، كان سيحضر لي كمشة تراب من أرض كنعان عند لقائنا.. لكن العسس وحراس كامب ديفيد أغلقوا بوجهه المعبر كي لا تصلني كمشة التراب.

هل يحتفظ أحد منكم أيها الرفاق الأعداء بشيء عن الوطن؟
في منفاي الإختياري، ألبس الوطن أنّى ذهبت.. خارطة في سلسال.. كوفية فيها دفىء الأرض تقيني برد الخيانة والشتامين والأقلام المأجورة والعقول المخمورة وغدر أو رصاص الأعداء.
.
في منفاي الإختياري، أحمل الوطن على مدار الساعة.. مفتاح بيت جدي لأمي.. أغنية أو موال عتابا.. صورة أم العز الأسدودية الكنعانية.. وأحيانا مسبحة من خشب الزيتون الكنعاني المبارك.
ماذا تحملون أنتم؟

في المنفى أيها الرفاق الأعداء.. أنشرح وأبكي أحيانا كلما أبصرت صورة ثوب فلسطيني على عجوز شامخة..
أيها الرفاق الأعداء..

هل تعلمون أن التطريز على الثوب أصله دفىء القلب وتضاريس الكروم؟
وأن الغرزة على الثوب تأخذ فتنتها من حبة الندى على حبة عنب قبل طلوع الشمس وقبل انطلاق العصافير؟
هذا هو عشقي لثوب نساء الناصرة.. فما بالكم لو تحدثت عن أثواب أسدود وحيفا ويافا واللد وصفد والقدس وعكا اللي على راسي؟
ما بالكم لو حدثتكم عن عبادتي للغرزة على الثوب الغزاوي؟
يا سبحان الخالق..
يعطي الوطن لمن لا يستحق .. ويبقي الثوب لي.

***********
آخ أيها الوطن..
كم من مرة امتطيت ظهر الشمس فتقطعت أوتار قيثارتي؟
كم من مرة مشيت على ورق الريح ولم أجدك؟
أيها الثوب..
هل أنا احب الوطن أم أن الوطن يقتلني؟
يا أيها الثوب..
هلا قلت للوطن أن يصمت قليلا في داخلي.. فوطني اليوم مؤجل ..
وطني نائم في ملابسه الداخلية... تماما مثل الرفاق السابقين..
وأنا مثل وطني تماما.. بحاجة للنوم .. لكن بلباسي العسكري وبجهوزيتي الكاملة..
لذا أيها الرفاق الأعداء..
أتركوني أنام..
فلربما أصبحت على ثوب..
أو على حبة عنب..
____________________

** الدكتور وليم نصار.. مؤلف موسيقي ومغني سياسي مقيم في المنفى.
عضو اللجنة العليا للقدس عاصمة ثقافية عربية 2009.
http://www.williamnassar.com/

* د. وليم نصار، مؤلف موسيقي، أكاديمي وكاتب عربي يعيش في المنفى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق