الخميس، 10 فبراير 2011

متى لـم تكـن إسرائيـل فاشيـة؟

متى لـم تكـن إسرائيـل فاشيـة؟
سمير كرم













في الرابع من كانون الأول 1948 نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في باب «رسائل إلى المحرر» رسالة بتوقيع العالم اليهودي الألماني المولد الأميركي الجنسية ألبرت أينشتاين ومعه نحو مئة شخصية من اليهود وغير اليهود من كبار العلماء والمفكرين والمعنيين بالشأن العام.

الرسالة على درجة قصوى من الأهمية، وهكذا قدرتها الصحيفة، حتى إننا نلاحظ انه كتبها في 2 كانون الأول، ونشرت في الرابع منه. وهذه سرعة كبيرة في النشر إذا أخذنا في الاعتبار أن بعض رسائل القراء إلى المحرر في أي صحيفة يمكن أن تستغرق شهراً لتجد طريقها إلى النشر. كذلك فإن الرسالة نشرت بنصها على الرغم من إنها طويلة نسبياً وتزيد كثيرا في مساحتها عن أي رسالة تنشرها نيويورك تايمز في هذا الإطار.

وهناك ملاحظة جانبية أخرى واجبة. فرسالة أينشتاين جاءت بعد اقل من عام واحد من رفضه التاريخي المعروف عرض إسرائيل عليه أن يكون أول رئيس لجمهوريتها. الأمر الذي يضفي على هذه الرسالة من أينشتاين مزيداً من الأهمية بشأن رأي اينشتاين في إسرائيل وسياساتها والى أين تتجه والى أين يكون ميلها.

موضوع هذه الرسالة هو التحذير من الفاشية الصهيونية في إسرائيل.

ولقد عادت الرسالة فاكتسبت في الآونة الأخيرة أهمية كبيرة، حتى أن من الملاحظ إن أعداداً كبيرة من الكتاب اليساريين الأميركيين يسهمون الآن مجدداً في التحذير من سرعة انزلاق إسرائيل نحو الفاشية، ويبنون انتقاداتهم لسياسات إسرائيل الداخلية والخارجية على دلائل عديدة على هذا الاتجاه الخطر الذي يباعد بين إسرائيل وقيم المجتمع الأميركي، الذي تعتمد حياة إسرائيل وبقاؤها على دعمه الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي، وبطبيعة الحال دعمه الاستراتيجي العسكري.

ونجد أنفسنا مضطرين لأن ننشر هذه الرسالة بنصها، وإن كانت ستأخذ حيزاً كبيراً من المساحة المتاحة لهذا المقال. ذلك أن أهميتها تزداد في التفاصيل التي توردها والتي تردّ عملياً على السؤال الذي اخترناه عنواناً لهذا المقال: متى لم تكن إسرائيل فاشية؟
وهذا هو نص «رسالة أينشتاين» كما نشرت في نيويورك تايمز:

«إلى محرري نيويورك تايمز
من بين الظواهر السياسية الأشد إثارة للقلق في زماننا ظهور حزب الحرية (تنبوات هاهي روت) في إسرائيل الحديثة التأسيس، وهو حزب سياسي وثيق الصلة للغاية في تنظيمه ومناهجه وفلسفته السياسية وتوجهه الاجتماعي للأحزاب النازية والفاشية. لقد تشكل من عضوية ومن أتباع تنظيم أيرغون زفاي ليومي السابق، وهو منظمة إرهابية يمينية شوفينية (وطنية متعصبة ضيقة الأفق) في فلسطين.
والزيارة الحالية التي يقوم بها مناحيم بيغن زعيم هذا الحزب للولايات المتحدة محسوبة بوضوح لتعطي انطباعاً بالتأييد الأميركي لهذا الحزب في الانتخابات الإسرائيلية القادمة، ولتمتين الروابط السياسية مع العناصر الصهيونية المحافظة في الولايات المتحدة. إن عديدين من الوطنيين الأميركيين قد أعاروا أسماءهم للترحيب بهذه الزيارة. وليس من المتصور أن أولئك الذين يعارضون الفكر الفاشي في جميع إنحاء العالم، إذا ما تلقوا معلومات صحيحة عن سجل السيد بيغن واتجاهاته، يمكن أن يضيفوا أسماءهم وتأييدهم إلى الحركة التي يمثلها.

فقبل أن يقع ضرر لا يمكن إصلاحه عن طريق مساهمات مالية ومظاهر عامة لصالح بيغن وخلق انطباع في فلسطين بأن قسماً كبيراً من أميركا يؤيد العناصر الفاشية في إسرائيل، يتعين على الرأي العام الأميركي أن يعلم بسجل السيد بيغن وحركته وأهدافهما. إن البيانات العلنية لحزب بيغن ليست بأي حال مرشداً لطابعه الحقيقي. إنهم يتحدثون اليوم عن الحرية والديموقراطية ومناهضة الإمبريالية، في حين أنهم حتى وقت قريب كانوا يبشرون صراحة بمذهب الدولة الفاشية. إن الحزب الإرهابي يفضح في أفعاله طابعه الحقيقي، ويمكننا أن نحكم من أفعاله الماضية بما يمكن أن نتوقعه أن يفعل في المستقبل.

إن سلوكهم في قرية دير ياسين العربية كان مثالا صادماً. هذه القرية التي تقع خارج الطرق الرئيسية وتحيط بها أراض يهودية لم تشترك في الحرب، بل إنها ردت أيد عربية أرادت أن تستخدم القرية قاعدة لها. وفي 9 نيسان (نيويورك تايمز) هاجمت عصابات إرهابية هذه القرية المسالمة التي لم تكن هدفاً في القتال وقتلت معظم سكانها، 240 رجلاً وامرأة وطفلاً واحتفظت بعدد قليل منهم على قيد الحياة لتستعرضهم كأسرى في شوارع القدس. لقد فزع معظم المجتمع اليهودي من هذا الفعل، وبعثت الوكالة اليهودية ببرقية اعتذار إلى الملك عبد اللــه ملك شرق الأردن. ولكن الإرهابيين، الذين هم بعيدون عن الشعور بالعار من فعلهم، كانوا فخورين بهذه المذبحة ونشروها على نطاق واسع، ودعوا المراسلين الأجانب الموجودين في البلد ليشاهدوا الجثث المكومة والفوضى العامة في دير ياسين. إن حادث دير ياسين يمثل طابع وأفعال حزب الحرية.

إنهم يبشرون داخل المجتمع اليهودي بخليط من القومية المتطرفة والتزمت الديني والتفوق العنصري. وشأنهم شأن الأحزاب الفاشية الأخرى اعتادوا على انتهاك الإضرابات وعلى ممارسة الضغط لتحطيم النقابات العمالية الحرة. وفي توجههم الرئيسي اقترحوا قيام نقابات مؤسسية على النموذج الفاشي الايطالي. ومارسوا خلال السنوات الماضية إعمال عنف متفرقة ضد البريطانيين، وافتتحت جماعات ايرغون زفاي ليومي واشترن حكم الإرهاب في المجتمع اليهودي في فلسطين. المعلمون ضُربوا لأنهم يتحدثون ضدهم، والبالغون أطلق عليهم الرصاص لأنهم لا يدعون أبناءهم ينضمون إليهم. وبأساليب العصابات الإجرامية والضرب وتكسير النوافذ والسرقات الواسعة الانتشار أخاف الإرهابيون السكان وجنوا ثمناً باهظاً.

إن أعضاء حزب الحرية لا دور لهم في الإنجازات البناءة في فلسطين. فهم لم يستصلحوا أرضا ولم يبنوا مستوطنات وأشاحوا بوجوههم عن نشاط الدفاع اليهودي. إما جهودهم التي يروجون الدعاية لها كثيرا في مجال الهجرة فإنها ضئيلة ومكرسة أساسا لجلب مواطنيهم الفاشيين.

أن التجاوزات بين المزاعم الجريئة التي يطلقها بيغن وحزبه وإنجازاتهم في الماضي وفي فلسطين لا تحمل طابع حزب سياسي عادي. هذا هو الطابع الذي لا تخطئه عين لحزب فاشي يعد الإرهاب (ضد اليهود والعرب والبريطانيين على السواء)، وإساءة تصوير الأمور، كما يعد «الدولة القائدة» هي الهدف في ضوء الاعتبارات المذكورة فإن من المحتم أن تعرف الحقيقة عن السيد بيغن وحركته في هذا البلد. وإن مما يزيد الأمور مأساوية أن القيادة العليا للصهيونية الأميركية قد رفضت شن حملة ضد محاولات بيغن، أو حتى لفضح إخطارها على إسرائيل لأنصارها من وراء دعم بيغن.
لهذا فإن الموقعين أدناه يلجئون إلى هذه الوسيلة للنشر ليقدموا عدة حقائق قليلة مناسبة فيما يتعلق ببيغن وحزبه، ويحثون كل المعنيين على أن لا يدعموا هذا المظهر المتأخر للفاشية.
نيويورك، 2كانون الأول 1948

لعل أينشتاين ومؤيديه ـ لو عاشوا إلى الآن لوجدوا أن لا فرق بين حزب الحرية والأحزاب التي حكمت وتحكم إسرائيل طوال السنين منذ نشأتها، وأن لا فرق بين مناحيم بيغن وأي من الزعماء والقادة العسكريين الإسرائيليين الذي توالوا على حكم «فلسطين» (ظل أينشتاين مخلصاً لاسم فلسطين كما يتضح من الرسالة). لقد تجذرت الفاشية في تأسيس الأحزاب والتنظيمات الإسرائيلية. وبقيت الفاشية ونزعتها الإرهابية والعنصرية هي التي تحدد خطوط الساسة الإسرائيليين ضد العرب وضد كل من يؤيدهم. ولم يعد اليهود يتعرضون لإرهاب الفاشية الإسرائيلية فقد تعلموا الابتعاد عن تأييد حقوق الفلسطينيين والاكتفاء بتأييد سياسات حكامهم ...فيما عدا القلة التي تتمثل في اليسار الإسرائيلي وحده.

فهل يمكن لذاكرتنا أن تعود إلى أي وقت لتجد أن الفاشية الإسرائيلية اختفت أو تراجعت منذ زمن دير ياسين؟ كانت الفاشية في إسرائيل عام 1948 ممثلة في حزب، أما الآن في الأيام الأخيرة من عام 2010 فإن الفاشية امتدت لتشمل الدولة الإسرائيلية في تبديات سياساتها الداخلية والخارجية، المدنية والعسكرية. فاشية إسرائيل تتبدى بكل وضوح في سياساتها ضد عرب 1948 كيف تعاملهم وكيف تحدد أهدافها الإقصائية ضدهم. وهي تتبدى أيضا في سياسات إسرائيل ضد فلسطينيي المهجر الذين تريد أن تلغي بجرة قلم كل حقوقهم الإنسانية والوطنية. وتتبدى كذلك في طريقة تعاملها مع فلسطينيي دولة فلسطين القادمة. إنها تختار بنفسها من تتركه طليقاً ومن تقرر إلقاءه في السجن من دون اتهامات ومن دون محاكمات. بل تبدو فاشية إسرائيل في اشد حالات حدتها وتطرفها في طريقة تعاملها مع السلطة الفلسطينية التي نزعت عن نفسها سلاح المقاومة إرضاء لشروط إسرائيل من دون أن تحصل حتى الآن على أي مقابل. أن السلطة الفلسطينية تنفذ لإسرائيل مطالبها ـ اعتقلوا هذه القائمة، امتنعوا عن التدريب على هذا السلاح، اقبلوا بوجود المستوطنين على ارض الدولة التي تتفاوضون عليها ...وغير ذلك كثير.

وتاريخ الفاشية الإسرائيلية واضح بالمثل في العلاقات مع العالم الخارجي. وليس بعيدا كثيرا عن الذاكرة طبيعة العلاقات التي أقامتها إسرائيل الفاشية مع نظام حكم العنصرية البيضاء في جنوب أفريقيا ابتداء من التعاون العسكري في تدريب البيض على برامج القمع البوليسي ضد الوطنيين الأفارقة، إلى آفاق التعاون في إنتاج وتجريب الأسلحة النووية. ولا يختلف عن ذلك كثيرا ما طبع العلاقات بين إسرائيل ونظام الشاه القمعي في إيران، وما يطبع الآن مواقف إسرائيل العدوانية ضد إيران الثورة الإسلامية.
أن فاشية إسرائيل تتبدى حتى في مناهجها للتعامل مع الدولة التي سبقت إلى إقامة سلام معها. أليس استمرار إسرائيل في التجسس على مصر استمرارا للمناهج الفاشية في العلاقات مع العالم الخارجي؟

ما الذي يجعل من دولة أقامتها أصلا مشاعر الضحية لسياسات الفاشية والنازية، تتحول بمجرد أن بدأت سعيها لتكوين دولة لليهود إلى دولة فاشية من رأسها إلى أخمص قدميها؟

ليس ثمة من إجابة على هذا السؤال إلا من طبيعة الفكر العنصري الذي هيمن على الصهيونية من بداياتها، حتى قبل أن تعرف البشرية نوعية ما يسمى بالأحزاب النازية والفاشية في عالم عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.
العنصرية هي مرض إسرائيل المزمن الذي يتفاقم مع مضي السنين. والعنصرية هي المرض الذي لا يمكن مواجهته بأساليب سلمية ومهادنة. إنها في ظل هذه الأساليب تزداد غلوا وبشاعة. وشعار «إسرائيل فوق الجميع» ليس معلنا صراحة ولكنه في الممارسة بكل الجدية ولأقصى مدى.

أبدا لم تكن إسرائيل غير فاشية في أي وقت ..لأنها أبدا لم تكن غير عنصرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق