"أين العرب؟"
أديب قعوار
رد على روبرت غرنيه
كاتب المقال روبرت غرينيه، تسائل وبحق، “أين العرب؟”
ولكن برأينا نحن القوميين العرب أيضاً نعتقد بأنه تطوع ليجيب وبحق أيضاً على سؤاله الذي أتى في كلماته:
“... الدوافع الأساسية للثوار كانت واضحة:
ألتوق للحرية الشخصية: الكرامة والحصول على السلطة الاجتماعية والجماعية..."
سألت السيدة العربية المصرية، هدى هانم شعراوي بعد نكبة العرب قي فلسطين عام 1948: "كيف يمكن أن تندحر سبع دول عربية أرسلت جيوشها للدفاع عن فلسطين في وجه الغزو الصهيوني؟" ردت السيدة شعراوي: "لأنهم كانوا سبع دول أرسلوا سبع جيوش لكل منها قيادته الخاصة ، وكل من هذه القيادات تتناحر مع بااقي القيادات العربية الأخرى، بينا كان للعدو الصهيوني جيش واحد له قيادة
واحدة".
1. روبرت غرانيه، كما عرف نه ناشر مقاله أنه: رئيس مركز وكالة المخابرات المركزية Central Intelligence Agency
في إسلام أباد – باكستان 1999 حتى 2002، كما كان مدير مركز مكافحة الإرهاب. على شخص في مثل هذا الموقع الهام في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن يعرف لماذا اجتمع الدبلوماسي البريطاني سايكس مع نظيره الفرنسي بيكو اجتمعا ليقتسما المنطقة العربية الواقعة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط حتى قبل سقوطها بأيدي قواتهم المسلحة الغازية للوطن العربي مدعين تحريرها من الاحتلال العثماني كما وعدوا العرب. اجتمعا واتفقا على تقرير ما عرف ب"اتفاقية سليكس – بيكو" السيئة الذكر، أي نظرية "فرق تسد"، طبعاً لخلق مجموعة من الدويلات الضعيفة الهزيلة التي يتعذر عليها الدفاع عن أنفسها في وجه القوى الاستعمارية، وقد تركت حكومتي الدبلوماسيين المذكورين أعلاه ملوك وأمراء وأشباه رؤساء مرتهنين لمن نصبوهم وليس لخدمة أبناء الشعب المفترض بهم خدمته، ولهذا يثور الشعب العربي الآن في مختلف هذه الدويلات من المغرب حتى اليمن... من الدار البيضاء حتى عدن... كما يثور ضد سادة الأسياد الاستعماريين لهؤلاء الأشباه حكام، وضد الأطماع الاستعمارية، وكانت آنذاك بشكل خاص بقيادة بريطانيا وفرنسا.
الآن، من أهم أهداف الثوريون العرب التخلص من هؤلاء الحكام الذين يريدون إبقاء سيطرتهم على من يعتقدون بأنهم رعاياهم وطاعتهم للحكام "الأسياد" بالتعاون مع حماتهم الاستعماريين واجبة، ولكن هؤلاء المواطنين الشباب يريدون التخلص من صفة الرعايا التابعين للحكام الفاسدين، المرتشين،المنحرفين والانعزاليين. إنهم يطالبون ويصرون على حرية تقرير المصير داخلياً وخارجياً، لهذا السبب لم ولن يتطوع مثل هؤلاء الحكام لمد يد المساعدة للثوريين العرب أكانوا شباباً أو شيوخاً في ليبيا وغيرها من الأجزاء الثائرة الآن أو تلك التي سيقع حجرها في نظرية الدومينو الحتمية في سلسلة الثورات العربية المتتالية، أي تواصل الثورة العربية من دولة عربية إلى أحرى. أنهم، أي الحكام العرب يريدون الاحتفاظ بكراسيهم وعروشهم ملتصقة بظهورهم وأن يبقوا ممتطين أكتاف من يعتقدون أنهم رعاياهم المطيعين. الثوريون الشباب يطالبون بالحرية الفردية والجماعية واستقلاهم الوطني والقومي والاجتماعي من حكامهم الداخليين والخارجيين.
وهناك في دولة عربية ثرية، مسئول من أبناء العائلة الحاكمة الذي علق على المطالب الشرعية، البسيطة، الإنسانية والأساسية للثوار الشباب الذين نكرر بأنهم يفترضون بأن عليهم واجب الطاعة التامة يعتبرونهم بحكم الرعايا. لقد قال هذا المسئول "لقد تجمع هؤلاء سلمياً"، وكما هو الحال مع جميع أصحاب السلطة في الوطن العربي قال هذا المسئول العربي بعد أن نفى وجود تجمعات ومطالب: "إن تعاون المواطنين مع رجال الأمن لمواجهة مثيري الشغب كان البرهان والرد الفوري على الذين يدعون للشر في بلد أمن." وأضاف: "إن دفع الناس لتعدي الأوضاع ويحث على المطالب والإصلاح، ويدعوا إلى الحوار، وهذا ما يدعوا إليه أولياء الأمر في الدولة."
وقال مسئول آخر،عالي المنصب، في الدولة ذاتها: "بعض دعاة الشر تجمعوا أمام وزارة الداخلية،" وادعى: "إن هؤلاء يريدون إشاعة الفوضى في البلد، إنهم يعدون لمظاهرات لا هدف لها ولا طائل منها ولا أهداف سامية لها، ولكنهم لا يعرفون أبناء هذا البلد"!!!
أما في ليبيا ذلك البلد العربي ذو التاريخ العريق في ثورته الدامية والطويلة ضد الاستعمار الإيطالي الذي اعتبر هذا البلد العربي بمثابة الشاطئ الرابع لإيطاليا وحاول تصفيته عرقياً من شعبه العربي بكافة صنوف الإفناء حتى أن جنوده كانوا يجمعون المواطنين الليبيين العرب في معسكرات في الصحراء محاطة بالأسلاك المكهربة وتحت شمس الصحراء الحارقة، فإما أن يفنوا من تعرضهم لأشعتها أو أن يلجئوا إلى الجدار المكهرب ليموتوا صعقاً بالكهرباء فيتخلصوا من العزاب الطويل.
من هذا الشعب خرج ذلك الإنسان العادي المهندس المهدي زيو، أبن التسعة والأربعين عاماً الذي لا اهتمامات له غير عمله في شركة نفط الخليج العربي لمدة 30 عاما، وعائلته. هذا المواطن الذي كان مجهولاً إلا في نطاق عائلته وجيرانه وزملائه في العمل كتبت عنه الموسوعة الحرة "وكيبيديا" بعد عمليته الإستشهادية قالت: "المهدي زيو (49 عاماً): شهيد ليبي من أهالي مدينة بنغازي. استشهد أثناء ثورة 17 فبراير/شباط التي اندلعت عام 2011 م ضد نظام الزعيم الليبي معمر القذافي. وقد كان استشهاده نتيجة عملية بطولية قام بها وكانت حاسمة في سيطرة الثوار على بنغازي.[1]" تحوّلُ مهدي زيو، الموظف الممتلئ الجسم، والأصلع الذي يرتدي نظارة طبية، إلى بطل ثوري أثناء ثورة 17 فبراير الليبية عام 2011 م.[2] وقد أشيد به في مدينة بنغازي باعتباره الرجل الذي كان مقتله نقطة تحول في معركة بنغازي الحاسمة. الشهيد الذي حسم معركة بنغازي ..الجزيرة نت, 1/3/2011 م
أما مراسلة جريدة السفير البيروتية في بنغازي، أوغاريت دندش فكتبت عن "المهدي زيو": لأنه يحب الحياة"... فقالت:"قبل السابع عشر من شباط الماضي لم يكن في حياة المهدي زيو حادث استثنائي واحد يجعل منه مادة إعلامية، ولا موقف سياسي معارض أو مؤيد للنظام ينسب إليه، فالمهندس الأربعيني يعيش حياة هادئة في بنغازي، أحواله المادية كما يصفها المقربون «أكثر من كويس‘زيو‘ رب عائلة وأب لجامعيتين لم تسمعا من والدهما يوماً تململاً من الوضع الليبي السابق يوم كان القذافي ورجاله يحكمون من كتيبة بنغازي، معقل الرعب في الشرق الليبي. "يوم الخامس عشر من شباط لم ينتظر شباب بنغازي الولادة الرسمية ل‘ثورة 17 فبراير‘ ليركبوا رياح التغيير التي هبت من صوب الجيران، "تظاهروا فجوبهوا بالنار إمام محكمة بنغازي واستشهد منهم كثيرون.
وفيما كانت طلائع الثوار تشيع الرفاق كان زيو يمضي ن يوماً عادياً من حياته الرتيبة، يمر من إمام الكتيبة متجهاً لممارسة نشاط روتيني، لكن في ذلك اليوم غير العادي كان لا بد لمشهد غير اعتيادي من أن يستوقف المهندس المسالم، شبان يشيعون الأحبة فيواجهون في إثناء عودتهم من المقابر بالسلاح الحي ومصدره كتيبة الفضل أبو عمر: مقر عسكر النظام حيث يعتقل كل معارض سياسي أو صاحب أفكار لا تستقى من الكتاب الأخضر، «الكتاب المقدس الليبي». توقف المهدي لحظات، ليراقب الشباب يواجهون بالصدور العارية الجنود المدججين، قفل عائداً إلى المنزل ليخبر ابنتيه عن «عيال لا يتجاوزون الثامنة عشرة، يقاتلون بشجاعة من دون إي عون.
صباح اليوم التالي، عاد المهدي لممارسة نشاطه موقناً أن بارقة العنفوان لا بد من أن تكون قد أجهضت بوحشية معتادة، لكن إمام الكتيبة عينها وفي الموقعة إياها، كان الموعد، العشرات من الشبان عادوا معززين بالرفاق للاعتصام... أدرك بعد عمر طاعن في الرضوخ والتغاضي أن إشاحة النظر لم تعد تعطي ثمار راحة البال المطلوبة، وان «هؤلاء العيال» أدركوا قبل فوات الأوان الفرق بين العيش كأي كائن حي "و‘الحياة‘ بكل ما تعنيه من معان إنسانية.
في تلك الليلة احتضن احباءه كما لم يفعل من قبل، حدثهم عن بطولات صغيرة لا تذكرها كتب التاريخ ولا تنظم لها القصائد لكنها تفعل فعلها في نفوس لطالما استكانت إلى ‘القبول بالأمر الواقع‘.... وغادر المنزل ...
"المكان: كتيبة بنغازي، الزمان: قبل التأريخ الليبي الجديد، الحضور: زيو وشباب الاعتصام، المناسبة: رسم خريطة الطريق.
‘المهندس‘: النجاح يكمن في عنصر المفاجأة، نبي (نريد أن) نتصرف بسرعة".
"شاب من المعتصمين: ‘مفهوم، أول ما الطريق تفتح، نقتحم‘.
"شاب آخر (مشيراً إلى مجموعة جديدة): ‘الإخوة من ‘كتيبة البيضا‘، جو (جاءوا) يساعدوننا‘.
"المهندس: ‘ماشي أنا أبدا أنفذ‘ يصعد المهندس في سيارته التي ملأها بعبوات غاز المنازل ويتجه إلى سور الكتيبة المكون من طبقتين عصية على إي محاولة دخول أو خرق، يدوس على (دعسة) الوقود إلى الحد الأقصى ويرتطم بجدار الكتيبة بقوة أدت إلى انفجار السيارة وإحداث فجوة سمحت للثوار بالتدفق إلى داخل الكتيبة.
"عنصر المفاجأة شتت العسكريين الذين ولوا هاربين فاستولى الثوار على أولى دفعات السلاح التي ستقلب دفة المعركة، بعد مواجهات متكافئة إلى حد ما سقطت كتيبة الفضل أبو عمر، فر قائدها إلى طرابلس برفقة الساعدي القذافي الذي لجأ إلى الكتيبة بعد انطلاق الإحداث. إذاً أصبحت مخازن السلاح والذخائر في خدمة ثورة ولدت يوم السابع عشر من شباط.
"أسهم سقوط الكتيبة في تحرير بنغازي ويعيد الثوار الفضل له في تزويدهم بالعون المعنوي والعسكري وتشجيع الكثير من ضباط وجنود الجيش على الانضمام إلى الثوار وفتح باب الانتصارات التي جعلت الشرق يسقط من يد القذافي في أربعة أيام.
"لم يعش المهدي زيو ليرى ثمار ما زرعت يداه لكن شباب وشابات ليبيين وليبيات لم يسمعوا به يوماً يدركون إن مهندس الثورة سيكون الاسم الذي سيذكرونه لأحفادهم يوم يتسلل الشيب إلى رؤوسهم، يوم يخبرونهم عن ثورة نفذها حالمون لم ينتظروا ليجنوا ثماره".
لذا لا يجب ألا ننتظر من هذه الأنظمة العربية المتهرئة وقادتها الطغاة الفاسدين أن يتقدموا لمد يد العون للشباب الثوري الذين فرغ صبرهم من طغيان ودكتاتورية هؤلاء الحكام وأنظمتهم التي تحاكيهم فساداً وطغيانا وعمالة للصهيونية والكولونيالية.
اين العرب؟" العرب الآخرين، هم الشباب الثوري العربي، الذين كلف كل منهم ذاته تنظيف الأوساخ التي تركتها خلفها الدكتاتوريات العربية العملية، هذه الأنظمة الدكتاتورة العربية المتهرئة، أشياء جديدة جيدة ستأتي مع الحرية والتحرر والوحدة العربية.
لذا لا يمكننا إلا أن نتفق مع روبرت غرينيه بقوله: "يوم جديد يزحف في الوطن العربي. الثوريون على الطريق لقد بدؤوا للتو، وهناك الكثير الذي يجب أن يسوى في الدول التي قد عرفت موجة الديمقراطية طريقها إليها ويجب أن تثبت أقدامها فيها. التجاوب للأنظمة الأخرى، التي تتعرض لضغوط وبسرعة أقل، ولكنها تتشابك مع مقاومة التغيرات الاجتماعية-السياسية التي وضعت على طريق التغيير بانتظار النتائج المنتظر مشاهدتها. بالنسبة لذلك فإنها نظرة عامة وتسير بسرعة، الوطن العربي لا يزال أمامه درب طويل ليذهب حتى يصل للإجماع في الرأي حول أي نوع من الحكم يتلاءم مع مستوى معين من القبول."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق